النمو الإقتصادي والتقدم والرقي للدول العربية والإسلامية تم حبسه بين أربعة جدران
ولم يكتفوا بذلك بل كانت تُضيق المسافات التي تفصل بين الجدران الأربعة حتي يتم خنق الرغبة الإسلامية والعربية في النمو والتقدم والإزدهار وعندما أُحكموا الخناق وظنوا أنهم حققووا ما أرادوا استفاقت الشعوب العربية وأدركت خطورة ما هي فيه فقامت بالثورة .
وعندما ثارت الشعوب العربية وأسقطت أحد الجدران الأربعة علمت أنه لن يتحقق لها ما تريد إلا أذا قامت بتحطيم باقي الجدران
فما هي الجدران الأربعة التي كانت تقيد وتحبس التقدم والتطور والرقي العربي والإسلامي ؟
الجدران الأربعة هي :
1 – تبعية القرار السياسي
2 – تبعية التمويل (الحاجة إلي نقود واموال )
3 – التبعية الفكرية
4- التشرذم
والجدار الذي تحطم بالثورة هو تبعية القرار السياسي فلقد كانت هناك الكثير من المشاريع العملاقة الوطنية الطموحة ولكننا لأننا كنا محكومين بالمستبدين فكانت كل تلك المشاريع تُجهض ولا يُكتفي بإجهاضها ووأدها في المهد بل كانت تمارس كثير من السياسات المحبطة التي تخنق الرغبة والإرادة والطموح أيضا مع المشروع نفسه وبقيام الثورة العربية الرائعة تحطم ذلك الجدار فلقد خلعت الشعوب النظام المستبد وذهبت إلي صناديق الاقتراع لتختار من يحكمها وبالتالي لتتحكم في مصيرها فمن يأت به الشعب يكون ولاءه للشعب ولكننا مازلنا نحتاج إلي تحطيم باقي الحوائط والجدران التي تحبسنا وتمنعنا من الحرية الاقتصادية ومن التقدم والرقي والحضارة
لذا كانت مقالتي هذه استراتيجية الخروج وسأتحدث فيها عن باقي المحاور أو باقي الجدران
تبعية التمويل(الحاجة إلي نقود) :
الأموال هي الوقود الذي يحرك شاحنة الاقتصاد، خاصة حين نتكلم عن إقتصاد الدولة وليس الفرد فإذا كنت لا تمتلك الأموال فعليك إذن باقتراضها هذا هو الخيار الوحيد هكذا كنا مكبلين في الماضي نحتاج إلي استثمارت أجنبية وحين تأتي الاستثمارات الأجنبية يأت معها التحكم السياسي والقيود التي تمنعك من استخدام تلك الأموال في الاهداف الاستراتيجية التي تجعل منك دولة قوية ناهيكم عن ان القروض تأت ملوثة بفيروس خطير اسمه الربا ممحوقة البركة،وليست المشكلة جديدة بل تلك المشكلة قديمة قدم الحضارة نفسها فلقد واجه الإنسان أو الجنس البشري تلك المشكلة في مرات عديدة خاصة في أوقات الانعطافات الحرجة التي تسبق مرحلة حضارية هامة في تاريخ الأمم ومن الناس من يختار الاستسلام ومنهم من يكافح ويتغلب علي تلك الصعوبة ويضيف لبنة جديدة في بناء الحضارة
قابلتنا في شق قناة السويس وقابلتنا في بناء السد العالي وقابلت غيرنا في كثير من مشاريعهم العملاقة علي سبيل المثال كيف نجحت أمريكا في بناء امبراطوريتها؟
تحدث (جون ستيل جوردن) عن تاريخ أمريكا الاقتصادي في كتاب رائع بعنوان إمبراطورية الثروة والكتاب من أوله إلي آخره به فكرة وحيدة آمال عظيمة وجهود خلاقة وعبقرية في التمويل ، ولولا عبقرية التمويل ماكانت لتقوم لأمريكا قائمة
وعبقرية التمويل هنا هي الشركات المساهمة
وفكرة الشركات المساهمة أصلها في رأيي يرجع إلي فعل الأشعريين ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم :( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم )
إلا أننا في الشركات المساهمة نحفظ لكل مساهم نصيبه في صورة عدد الأسهم التي يملكها وتمثل مقدار ما ساهم به في التمويل ومن مجموع تلك الأسهم تتكون الشركة المساهمة وتقام المشاريع العملاقة ، ولكن هناك مشكلة لقد ساهم رجل بمقدار من المال وقبل أن تنهي الشركة مشروعها احتاج إليه ماذا نفعل ؟ هنا احتيج لقيام شكل من أشكال التجارة تيسر تداول الأسهم بين الناس حتي لا يلحق بهم الضرر ولا تُحبس أموالهم حتي ينتهي المشروع ويأت بالأرباح. خاصة وأن تلك المشاريع تحتاج إلي وقت تشغيل قد يتجاوز السنين الطويلة قبل أن يظهر عائده المباشر كشق قناة السويس مثلا .
هنا ظهر اختراع رائع جدا اسمه البورصة، فالبورصة هي المكان الذي يمكنك فيه تداول أسهم الشركات المختلفة أي أن الكلمة السحرية للتمويل هي كلمة بورصة
ولولا تلك الكلمة السحرية البورصة لما كان لشابين مغمورين مثل "لاري بيدج" و "سيرجي برن"(مؤسسي جوجل) أن تصبح ثروتهما الآن حوالي 7 مليار دولار ولما نجح الشاب "مارك زوكرييرج 27 عام" (مؤسس الفيس بوك) أن تصبح ثروته 17 مليار دولار
فلقد تمكنا من تحقيق هذا الثراء الفاحش لأن لديهم مشروع عملاق رائع ولديهم آلية سحرية لتمويل أفكارهم ومشاريعهم اسمها البورصة
فالجدار الثاني الذي قيدنا دهرا طويلا عن بلوغ مآربنا والقيام بنهضة شاملة في جميع مجالات الحياة وهو الفقر أو الحاجة إلي تمويل لتلك المشاريع يمكننا من تحطيمة بالشركات المساهمة وتداول أسهمها بالبورصة .
التبعية الفكرية :
ثالث جدار هو التبعية الفكرية وتعني التقليد تارة وتعني أننا نكون عالة علي الغير في حل مشاكلنا تارة أخري وتعني الجمود بمعني تبعية الماضي تارة ثالثة انتبهوا فإنني اتحدث عن التبعية الاقتصادية حيث أن العيش في ظل منظومة الأفكار والقواعد القديمة يعد انتحار في عالم ديناميكي الحركة بطريقة مذهلة خاصة في العصر الراهن
وللخروج من التبعية الفكرية هناك حل سحري أيضا اسمه الإبداع فالأفكار الإبداعية هي طريقتنا في الخروج من مأزق التبعية الفكرية وهنا يجب أن أفرق بين شيئين الإبداع والإبتداع
يقول الشاطبي في الاعتصام ( البدعة هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الطريقة الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد ) هذا في الدين وحين تكون الطريقة المخترعة في الدنيا وليست في الدين تصير إبداعا فما نحتاجه هو الإبداع في الدنيا وليس الإبتداع في الدين فلقد كمل الدين ،ولكن الدنيا تتطور وتحتاج منا أن نبدع وسائل وطرق تلائم ذلك التطور
والإبداع موضوع ثري به كثير من التفاصيل نقصر حديثنا هنا عن الإبداع في الأفكار الاقتصادية
سأذكر لكم قصة باتت مشهورة هي قصة الصعوبات التي واجهت الأمريكيين في الإعداد لرحلاتهم إلي القمر وهي كيف سيدونون ملاحظاتهم وليس هناك جاذبية فجلسلوا يعدون الأبحاث ويصرفون الملايين وتوصلوا إلي اختراع قلم يكتب ضد الجاذبية بل ويكتب علي أي سطح
نفس المشكلة قابلت الروس وهم يحضرون لرحلاتهم الفضائية ماذا فعل الروس ؟
قالوا سنكتب بقلم رصاص
إنتهت المشكلة في لحظات وتم توفير أموال ضخمة وساعات من العمل الذهني المضني تلك هي الأفكار الإبداعية وهذا هو الإبداع الذي نقصده.
هناك العشرات من الأمثلة التي تبين الفرق الواضح الجلي بين الإبداع وطرق التفكير الكلاسيكية
فالقيد الثالث والجدار الثالث الذي يعيق تقدمنا هو التبعية الفكرية والمخرج هو الإبداع كيف ننتج أفكارا إبداعية للخروج من المآزق التي تمر بنا عامة والاقتصادية خاصة هذا موضوع مهم جدا به تفصيلات كثيرة نرجأها لمقال آخر تفصيلي
التشرذم :
الجدارالرابع هو التشرذم فلن نستطيع أن نحقق آمال أمتنا وشعوبنا دون التوحد في فريق عمل كبير
وهذا يعني وجوب التكتل والعجيب أن تحدث مثل تلك التكتلات في دول لا يربط بينها رابط قوي بل ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم ومع ذلك فلقد نجحوا- إلي الآن- في إن شاء وحدة وتكتل
والتكتل مشروع ضخم يمكننا من تجزئته علي مراحل والصورة النهائية له هي عالم إسلامي موحد يضم بين طياته جميع الدول العربية والإسلامية في اتحاد كونفدرالي
ومن المراحل المقترحة هي البدأ في تكوين سوق مال موحد بين البلاد العربية والإسلامية
بورصة موحدة يتداول فيها أسهم الشركات المقيدة في كل الدول العربية والإسلامية
تخيل معي سوق مال إسلامي (بورصة إسلامية) به كبري الشركات الناجحة في مصر والسعودية والإمارات وقطر والكويت وإندونيسيا وماليزيا وتركيا وليبيا والجزائروالبحرين وتونس والسودان وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن ......
هناك كلام كثير جدا يمكننا قوله ولكني اكتفي بما قلت كمحفز للحديث عن استراتيجية الخروج من التبعية الإقتصادية
رحم الله شهداءنا الأبرار شهداء الثورات العربية ، لقد أيقظوا فينا الحُلم وغدا يتحرك التنين بعد طول رقاد اللهم نشهدك علي أننا لن نخذلهم أبدا بل سنقدم كما قدموا وإننا علي دربهم لنسير
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات