الجمعة، 19 مارس 2021

كيف تنظر إلي الآخرين ؟

 كيف تنظر إلي الآخرين ؟


لا بد لك أولًا أن تتخلص من میلك الطبیعي في أخذ ما یقوله الناس أو یفعلونه على محمل شخصي موجه مباشرةً إلیك؛ وبخاصة إذا كان ما یقولونه أو یفعلونه شیئًا بغیضًا، وحتى إذا انتقدوك، أو تصرفوا ضد مصالحك، فالغالب أن ذلك نابع من ألم عمیق قدیم في أنفسهم لا یتصل بك شخصیا يقومون بالتنفیس عنه؛ وتغدو أنت الهدف القریب لإحباطهم واستیائهم، المتراكمَین على مر السنین. إنهم إنما یبرزون مشاعرهم السلبیة الخاصة بهم، فإذا استطعت أن تنظر إلى الناس بهذه الطریقة، فستجد أنه من السهل علیك ألا ترد علیهم، وألَّا تنزعج منهم؛ فلا تتورطُ في معارك تافهة. وإذا كان من تواجهه شریرًا خبیثًا حقا فإن عدم تعاملك معه بعواطفك سیجعلك في موقع أفضل یمكِّنك من تدبیر الرد المناسب علیه، وتنقذ بذلك نفسك من مراكمة الآلام والمشاعر المرة.

وانظر إلى الناس كأنهم حقائق في الطبیعة، فلهم أصناف شتى كثیرة، كحال الأزهار أو الحجارة، فهناك حمقى، وهناك أطهار، وهناك معتلون اجتماعیا، وهناك مهووسون بالأنانیة، وهناك محاربون نبلاء؛ وهناك المفعمون بالحساسیة، والفاقدون للحساسیة.ولكل منهم دوره في بیئتنا الاجتماعیة، لكن ذلك لا یعني ألَّا نكافح لتغییر السلوكیات المؤذیة عند الأشخاص القریبین منا، أو الذین هم في نطاق تأثیرنا؛ بل یعني أنه لا یمكننا إعادة تصمیم الطبیعة البشریة، وحتى لو نجحنا في ذلك بطریقة ما فإن النتیجة ستكون أسوأ بكثیر مما نحن علیه الآن، فلا بد لك من القبول باختلاف البشر، وأن الناس هم على ما هم علیه؛ أي أن اختلافهم عنك ینبغي ألا یشعرك بأنه تحدٍّ للأنا فیك، ولا هو تحدٍّ لاعتزازك بنفسك؛ بل هو شيء ترحب به وتتقبله.

 

وانطلاقًا من هذا الوضع المحاید یمكنك أن تحاول أن تفهم الناس الذین تتعامل معهم فهمًا عمیقًا، كحال تشیخوف مع أبیه، وكلما ازددت فهمًا لهم ازداد میلك إلى التسامح مع الناس، ومع الطبیعة البشریة عمومًا، وروحك المنفتحة السمحة ستجعل تآثراتك الاجتماعیة رقیقة سلِسة، فینجذب الناس إلیك ویتوقون إلى لقیاك.

 

فمن جهة أولى، نرى أناسًا غایتهم في الحیاة كبح قوة الحیاة والتحكم بها؛ فیودي بهم ذلك إلى إستراتیجیات تدمیر النفس، حیث علیهم أن یحدُّوا من أفكارهم، ویخلُصوا إلى أفكار فقدت وجاهتها، وعلیهم أن یقیدوا تجاربهم في الحیاة، وكل شيء إنما یتعلق بهم، وبحاجاتهم التافهة، ومشكلاتهم الشخصیة، وغالبًا ما یصبحون مهووسین بهدف بعینه یهیمن على أفكارهم كلها؛ من قبیل جمع المال أو لفت الانتباه، وكل ذلك یحولهم إلى أموات من الداخل، وهم یغلقون أنفسهم دون غنى الحیاة وتنوع التجربة الإنسانیة، وبهذه الطریقة یتجهون مباشرة صوب انعدام النفس، فیعوزهم العمق الداخلي والمرونة.

 

أما هدفك أنت، فیجب أن یكون تحركك الدائم في الاتجاه المعاكس، فتعید اكتشاف حب الاستطلاع، الذي كان عندك ذات یوم وأنت طفل صغیر؛ فكل شيء، وكل إنسان، هو مصدر سحر لك، وعلیك أن تستمر في التعلم، وتوسع باستمرار ما تعرفه، وما تجرِّبه. وتكون سمحًا متسامحًا مع الناس، حتى لو كانوا أعداءك، أو كانوا ممن حاصرتهم حالة انعدام النفس، ولا تكن عبدًا للمرارة أو الضغینة؛ وبدلًا من لومك الآخرین، أو لومك الظروف، انظر إلى الدور الذي یقوم به موقفك وتصرفاتك في أي إخفاق یصیبك أو عثرة تعترضك، وتكیف مع الظروف بدلًا من أن تشتكي منها؛ فاقبل بالارتیاب والمفاجأة، وتقبَّلهما بسرور، فهما من السمات العظیمة في الحیاة، وبهذه الطریقة تتوسع رحابة نفسك لتصل إلى ملامح الحیاة، وتمتلئ بقوة الحیاة.

 

فتعلَّم أن تقوم بقیاس الناس الذین تتعامل معهم بعمق أنفسهم وكبرها؛ وإذا أمكنك فلتصاحب قدر ما تستطیع أصحاب النفوس الكبیرة .

 

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

شركاء في التغيير

مروا من هنا

Blog Archive

قائمة المدونات الإلكترونية