الخميس، 5 أغسطس 2010

أسرار الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم
 أسرار الصوم


الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ورد أمله وخيب ظنه إذ جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصوم نصف الصبر حديث الصوم نصف الصبر أخرجه الترمذي وحسنه

وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم الصبر نصف الإيمان حديث الصبر نصف الإيمان أخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن

ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به أخرجاه من حديث أبي هريرة

وقد قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

والصوم جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به أخرجاه وهو بعض الذي قبله

وقال صلى الله عليه وسلم للجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون أخرجاه من حديث سهل بن سعد

وقال صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه أخرجاه من حديث أبي هريرة

وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر حديث أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه والحاكم وصححه على شرطهما من حديث أبي هريرة وصحح البخاري وقفه على مجاهد وأصله متفق عليه دون قوله ونادى مناد

وقال وكيع في قوله تعالى كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب

وقيل في قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قيل كان عملهم الصيام لأنه قال إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا فلا يدخل تحت وهم وتقدير وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين أحدهما أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد والثاني أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع متفق عليه

فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه ونصر الله تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوبا عن لقائه وقال صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه

فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة

أما الواجبات الظاهرة فستة

الأول مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين يوما من شعبان ونعني بالرؤية العلم ويحصل ذلك بقول عدل واحد ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطا للعبادة ومن سمع عدلا ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب

الثاني النية ولا بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه وهو الذي عنينا بقولنا كل ليلة ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا مبيتة ولو نوى الصوم مطلقا أو الفرض مطلقا لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل واحتمال غلط العدل أو كذبه لايبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية ومهما كان شاكا ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غدا إن كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان ومن نوى ليلا ثم أكل لم تفسد نيته ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها

الثالث الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمدا مع ذكر الصوم وما يصل بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا عمدا فأما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لايفطر أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء وإن بقى على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفى النهار إلا بنظر واجتهاد

الرابع الإمساك عن الجماع وحده مغيب الحشفة وإن جامع ناسيا لم يفطر وإن جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبا لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة

الخامس الإمساك عن الاستمناء وهو إخراج المني قصدا بجماع أو بغير جماع فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بأس بالتقبيل وتركه أولى وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره

السادس الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه وإذا ابتلع نخامة من حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به

وأما لوازم الإفطار فأربعة القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقا ومجموعا وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين وإن عجز فإطعام ستين مسكينا مدا مدا وأما إمساك بقية النهار فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ولا على المسافر إذا قدم مفطرا من سفر بلغ مرحلتين ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك والصوم في السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيما في أوله ولا يوم يقدم إذا قدم صائما وأما الفدية فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدا

سنن الصيام


وأما السنن فست تأخير السحور وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة وترك السواك بعد الزوال والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ومدارسة القرآن والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله متفق عليه من حديث عائشة بلفظ أحيا الليل وأيقظ أهله

وجد وشد المئزر أي أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع وله أن يتوضأ في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مارا حديث كان لا يخرج إلا لحاجة ولا يسأل عن المريض إلا مارا متفق على الشطر الأول من حديث عائشة والشطر الثاني رواه أبو داود بنحوه بسند لين

ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة متفق عليه من حديثها

ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولا عشرة أيام مثلا والأفضل مع ذلك التجديد

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

شركاء في التغيير

مروا من هنا

Blog Archive

قائمة المدونات الإلكترونية