النفوس الميتة
كل يوم خميس وأنا أحضرحقيبة السفر تتصارع الكتب كي تحظي بفرصة قراءتها في تلك الرحلة القصيرة وتلك الأجازة وتنتابني حيرة شديدة فكل كتاب أنظر إليه أجده يتملقني ويستعطفني أرجوك إقرأني إقرأني وتتعالي الأصوات ويكثر النحيب والشجون وتتساقط الدموع
وفي كل مرة آخذ كتاب أو إثنين أو ثلاث معي لكي أقرأ في القطار ذهابا وإيابا وفي المحطة وفي البيت أيضاً - وغالبا في المحطة أجد هناك كتاب جديد اشتريه أقرأ فيه هو وأعين الكتب اللي معي ، - ولا أكتفي بذلك بل نسخت كثير من الملفات الصوتية للأدب العالمي المترجم والتي كانت تذيعها إذاعة البرنامج الثقافي أو البرنامج الثاني
وذلك حتي إذا مللت القراءة او تعذرت القراءة لسبب أو آخر لا أضيع الوقت وأستفيد من تلك الرحلة
هذا الصراع الخميسي في هذا الأسبوع جاء مبكرا أو إن أردت الدقة قل مضاعفاً فلقد كان هناك ظرف عائلي يقتضي ذهابي إلي المنصورة في زيارة صد رد خاطفة
والمنصورة أبعد من طنطا
لم أسافر المنصورة من القاهرة مباشرة قبل ذلك بواسطة القطار ، فلم أكن أعلم ما يأخذه القطار من وقت حتي يصل المنصورة
أخذت شنطتي ووضعت زجاجة ماء معدنية كبيرة وبعض البسكويت والكيك
وجاء الدور علي الكتب
في هذا اليوم قررت آخذ جوجول معايا أتعرف علي الرجل واشوف بيقول إيه فأخذت معي النفوس الميتة ولم أكتفي بها بل أخذت طيور المحيط التي لا يعرف إبراهيم عبد المجيد إلي أين تذهب قلت واجب برضه الواحد يساعد الكاتب إبراهيم عبد المجيد في الإجابة علي تساؤله أين تذهب طيور المحيط الناس لبعضيها
سألت في الاستعلامات أقرب حاجة للمنصورة إيه قالت لي علي الرصيف أهو واقف أهوه قلت إلحق ياجدع ورحت واخد ديلي في سناني وجري لا قيت القطار فاضي قلت إجلس ياواد وأبقي إقطع التذكرة في القطار مش مشكلة ولكني لما وجدت القطار فارغ تقريبا نزلت وسألت أحد موظفين المحطة والذين يساعدون الكمسري هو ميعاد قطار المنصورة الساعة كام فقال لي 1:20 وكانت الساعة 12:35 يعني هناك وقت للحجز فقلت له سأذهب أحجز وفعلا حجزت وقلت لقاطع التذاكر بعدما حجزت كم يستغرق من الوقت للوصول للمنصورة فقال ثلاث ساعات قلت له هو بيعدي علي طنطا فقال لي نعم
فقلت يانهار أبيض ثلاث ساعات محبوس في القطار رزقك ياعم جوجول
صليت في المحطة ثم وركبت القطار وشيئا فشيئا بدأ القطار يمتلأ ولم يوجد كراسي فاضية فقلت الحمد لله إني حجزت كان زماني واقف دلوقتي ألوم نفسي وألعن في موظفة الاستعلامات اللي قالت لي أهو واقف علي الرصيف أهوه وكأنه سينطلق فوراً
جلست ووضعت بمبوني نعناع في فمي وأخرجت النفوس الميتة من الشنطة قلت أهو النعناع هيغطي علي الريحة ، وشوية وجاء رجل في الكرسي المجاور لي فقمت كي يدخل إلي مكانه ثم قال لي لمن المؤلف النفوس الميتة فقلت له وكيف عرفته – هل الريحة جامدة قوي كده - فقال لقد لمحت العنوان وأنت تقوم النفوس الميتة وما أكثرها ولكني لم أقرأ اسم المؤلف فقلت له جوجول وسكت
أراد أن يأكل فمد يده بسندويتش عيش كايزر فقلت له شكرا فقال هناك مزيد من السندويتشات ولكني إعتذرت وبعدما بدأ يقطم في السندويتش بدات تتصاعد في الجو رائحة الجبنة الرومي طبعا عارفينها ، وأخذت أقاوم تلك الرائحة ودفست رأسي في النفوس الميتة
بيدي اليمين قلمي الفسفوري وأخذت أعلم علي الجمل والمقاطع التي تستقوفني
وبينما أنا أضع دائرة علي مقطع فإذا بالرجل بيقول لي رجل بكرش هو الكاتب يقصد رجل ثمين أم مرتشي قلت له الاثنان فقال أصل بكرش هذه عبارة لنا نحن نصف بها المرتشين فقلت الكتاب مترجم وقال لو سمحت وراح واخد الكتاب يقرأ المقطع اللي فيه الرجل أبو كرش أصابني القلق شعرت أن الرجل يرغب في الحديث والحوار وحرام 3 ساعات تروح علي وخاصة جوجول هتضيع عليه فرصة التعرف بي
فلما انتهي من قراءة المقطع رد لي النفوس الميتة وأخذ يكمل السندويتش وأنا أخذت الكتاب وأكملت القراءة ولكني علمت أنه يتابع بين الحين والآخر النظر في الكتاب خاصة حين أضع العلامات
وجاءته مجموعة من التليفونات واتصل هو بمجموعة أخري ، الرجل محامي تقريبا وكان واقع في ورطة كبيرة الحمد لله خرج منها يبدو بأعجوبة وهو رجل طيب – مع التحفظ – إذ أقسم أنه لن يؤذي من كان يسعي في إيذائه وقال أنه عاهد الله قبل أن تنفرج الأزمة أنه لن يسعي لإيذاء هذا الرجل الأفكاك الأثيم الذي وضعه في ذلك المأزق ولعل هذا كان سر إنشغاله بالنفوس الميتة وراودتني نفسي أن أقول له كلام مكسيم غوركي الذي يقول فيه " ولكني لا أستطيع أن أترك الطغاة يعتقدون بموافقتي واستسلامي ، إني لا أسستطيع أن أسمح لهم باستعمال ظهري كي يتعلموا كيف يجلدون الآخرين "
" أنا لا أملك الحق في غفران أي شر كان وإن لم يؤذني ، فأنا لست الوحيد علي هذه الأرض ! فقد أصفح اليوم عن إهانة يوجهها أحدهم لي ، وربما ضحكت منها لأنها من التفاهة بمكان ولكنه غداً قد يجلد شخصاً سواي بعد أن جرب قوته في "
جهزت نفسي للكلام واستعددت للحوار ولكني قلت إن مداخلة واحدة لي علي هذه الطريقة ستقضي علي كل أمل في القراءة أثناء رحلة الذهاب يعني ستضيع الثلاث ساعات هذا أولا ثانيا هل سيتغير الرجل بكلامي وسيتحول إلي نمر أو أسد يزأر ويعاقب المعتدي إن النفوس والطبائع لا تتغير بكلمات مهما كانت قوية أو منمقة بل النفوس تتغير ببطء وتحت درجات حرارة مرتفعة من المواقف الساخنة الملتهبة المتتالية
فاليوم حين أثنيه عن التسامح ربما أعكر صفو نفسه التي باتت سعيدة بشيئين سعيدة بالنجاة من المأزق وسعيدة بالنجاة من الغل وشهوة الانتقام المريرة
لذا قررت أن أتركه في هنائته وسعادته وأن أسعد أنا وأهنأ بقرائتي لجوجول
هل كان تصرفي صواب لا أدري ؟
وتلك معضلة أننا في كل يوم تمر بنا مئات المواقف التي تحتاج إلي تقييم ثم قرار وفي كل موقف أنت مسؤول عن أفعالك وأثارها في المجتمع
كل يوم خميس وأنا أحضرحقيبة السفر تتصارع الكتب كي تحظي بفرصة قراءتها في تلك الرحلة القصيرة وتلك الأجازة وتنتابني حيرة شديدة فكل كتاب أنظر إليه أجده يتملقني ويستعطفني أرجوك إقرأني إقرأني وتتعالي الأصوات ويكثر النحيب والشجون وتتساقط الدموع
وفي كل مرة آخذ كتاب أو إثنين أو ثلاث معي لكي أقرأ في القطار ذهابا وإيابا وفي المحطة وفي البيت أيضاً - وغالبا في المحطة أجد هناك كتاب جديد اشتريه أقرأ فيه هو وأعين الكتب اللي معي ، - ولا أكتفي بذلك بل نسخت كثير من الملفات الصوتية للأدب العالمي المترجم والتي كانت تذيعها إذاعة البرنامج الثقافي أو البرنامج الثاني
وذلك حتي إذا مللت القراءة او تعذرت القراءة لسبب أو آخر لا أضيع الوقت وأستفيد من تلك الرحلة
هذا الصراع الخميسي في هذا الأسبوع جاء مبكرا أو إن أردت الدقة قل مضاعفاً فلقد كان هناك ظرف عائلي يقتضي ذهابي إلي المنصورة في زيارة صد رد خاطفة
والمنصورة أبعد من طنطا
لم أسافر المنصورة من القاهرة مباشرة قبل ذلك بواسطة القطار ، فلم أكن أعلم ما يأخذه القطار من وقت حتي يصل المنصورة
أخذت شنطتي ووضعت زجاجة ماء معدنية كبيرة وبعض البسكويت والكيك
وجاء الدور علي الكتب
في هذا اليوم قررت آخذ جوجول معايا أتعرف علي الرجل واشوف بيقول إيه فأخذت معي النفوس الميتة ولم أكتفي بها بل أخذت طيور المحيط التي لا يعرف إبراهيم عبد المجيد إلي أين تذهب قلت واجب برضه الواحد يساعد الكاتب إبراهيم عبد المجيد في الإجابة علي تساؤله أين تذهب طيور المحيط الناس لبعضيها
سألت في الاستعلامات أقرب حاجة للمنصورة إيه قالت لي علي الرصيف أهو واقف أهوه قلت إلحق ياجدع ورحت واخد ديلي في سناني وجري لا قيت القطار فاضي قلت إجلس ياواد وأبقي إقطع التذكرة في القطار مش مشكلة ولكني لما وجدت القطار فارغ تقريبا نزلت وسألت أحد موظفين المحطة والذين يساعدون الكمسري هو ميعاد قطار المنصورة الساعة كام فقال لي 1:20 وكانت الساعة 12:35 يعني هناك وقت للحجز فقلت له سأذهب أحجز وفعلا حجزت وقلت لقاطع التذاكر بعدما حجزت كم يستغرق من الوقت للوصول للمنصورة فقال ثلاث ساعات قلت له هو بيعدي علي طنطا فقال لي نعم
فقلت يانهار أبيض ثلاث ساعات محبوس في القطار رزقك ياعم جوجول
صليت في المحطة ثم وركبت القطار وشيئا فشيئا بدأ القطار يمتلأ ولم يوجد كراسي فاضية فقلت الحمد لله إني حجزت كان زماني واقف دلوقتي ألوم نفسي وألعن في موظفة الاستعلامات اللي قالت لي أهو واقف علي الرصيف أهوه وكأنه سينطلق فوراً
جلست ووضعت بمبوني نعناع في فمي وأخرجت النفوس الميتة من الشنطة قلت أهو النعناع هيغطي علي الريحة ، وشوية وجاء رجل في الكرسي المجاور لي فقمت كي يدخل إلي مكانه ثم قال لي لمن المؤلف النفوس الميتة فقلت له وكيف عرفته – هل الريحة جامدة قوي كده - فقال لقد لمحت العنوان وأنت تقوم النفوس الميتة وما أكثرها ولكني لم أقرأ اسم المؤلف فقلت له جوجول وسكت
أراد أن يأكل فمد يده بسندويتش عيش كايزر فقلت له شكرا فقال هناك مزيد من السندويتشات ولكني إعتذرت وبعدما بدأ يقطم في السندويتش بدات تتصاعد في الجو رائحة الجبنة الرومي طبعا عارفينها ، وأخذت أقاوم تلك الرائحة ودفست رأسي في النفوس الميتة
بيدي اليمين قلمي الفسفوري وأخذت أعلم علي الجمل والمقاطع التي تستقوفني
وبينما أنا أضع دائرة علي مقطع فإذا بالرجل بيقول لي رجل بكرش هو الكاتب يقصد رجل ثمين أم مرتشي قلت له الاثنان فقال أصل بكرش هذه عبارة لنا نحن نصف بها المرتشين فقلت الكتاب مترجم وقال لو سمحت وراح واخد الكتاب يقرأ المقطع اللي فيه الرجل أبو كرش أصابني القلق شعرت أن الرجل يرغب في الحديث والحوار وحرام 3 ساعات تروح علي وخاصة جوجول هتضيع عليه فرصة التعرف بي
فلما انتهي من قراءة المقطع رد لي النفوس الميتة وأخذ يكمل السندويتش وأنا أخذت الكتاب وأكملت القراءة ولكني علمت أنه يتابع بين الحين والآخر النظر في الكتاب خاصة حين أضع العلامات
وجاءته مجموعة من التليفونات واتصل هو بمجموعة أخري ، الرجل محامي تقريبا وكان واقع في ورطة كبيرة الحمد لله خرج منها يبدو بأعجوبة وهو رجل طيب – مع التحفظ – إذ أقسم أنه لن يؤذي من كان يسعي في إيذائه وقال أنه عاهد الله قبل أن تنفرج الأزمة أنه لن يسعي لإيذاء هذا الرجل الأفكاك الأثيم الذي وضعه في ذلك المأزق ولعل هذا كان سر إنشغاله بالنفوس الميتة وراودتني نفسي أن أقول له كلام مكسيم غوركي الذي يقول فيه " ولكني لا أستطيع أن أترك الطغاة يعتقدون بموافقتي واستسلامي ، إني لا أسستطيع أن أسمح لهم باستعمال ظهري كي يتعلموا كيف يجلدون الآخرين "
" أنا لا أملك الحق في غفران أي شر كان وإن لم يؤذني ، فأنا لست الوحيد علي هذه الأرض ! فقد أصفح اليوم عن إهانة يوجهها أحدهم لي ، وربما ضحكت منها لأنها من التفاهة بمكان ولكنه غداً قد يجلد شخصاً سواي بعد أن جرب قوته في "
جهزت نفسي للكلام واستعددت للحوار ولكني قلت إن مداخلة واحدة لي علي هذه الطريقة ستقضي علي كل أمل في القراءة أثناء رحلة الذهاب يعني ستضيع الثلاث ساعات هذا أولا ثانيا هل سيتغير الرجل بكلامي وسيتحول إلي نمر أو أسد يزأر ويعاقب المعتدي إن النفوس والطبائع لا تتغير بكلمات مهما كانت قوية أو منمقة بل النفوس تتغير ببطء وتحت درجات حرارة مرتفعة من المواقف الساخنة الملتهبة المتتالية
فاليوم حين أثنيه عن التسامح ربما أعكر صفو نفسه التي باتت سعيدة بشيئين سعيدة بالنجاة من المأزق وسعيدة بالنجاة من الغل وشهوة الانتقام المريرة
لذا قررت أن أتركه في هنائته وسعادته وأن أسعد أنا وأهنأ بقرائتي لجوجول
هل كان تصرفي صواب لا أدري ؟
وتلك معضلة أننا في كل يوم تمر بنا مئات المواقف التي تحتاج إلي تقييم ثم قرار وفي كل موقف أنت مسؤول عن أفعالك وأثارها في المجتمع
ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات